beddah الزعيم The Boss
عدد المساهمات : 807 نقاط : 59129 تاريخ الميلاد : 08/03/1990 تاريخ التسجيل : 10/11/2009 العمر : 34 الموقع : هورين - بركة السبع - المنوفية
| موضوع: أهمية التربية الإسلامية في المحافظة على المال العام 12/9/2009, 1:49 pm | |
| أهمية التربية الإسلامية في المحافظة على المال العام عبدالرحمن صالح عبدالله المصدر: مجلة جامعة الملك سعود، العلوم التربوية والدراسات الإسلامية
ملخص البحث: تهدف الدراسة إلى معرفة بعض مظاهر الاعتداء على المال العام, والأسباب التي تؤدي إلى ذلك, ثم تحديد دور التربية في المحافظة على المال العام. فالدراسة معنية بتوضيح المفاهيم والاتجاهات والأساليب التي يمكن أن يتبعها المربون للمحافظة على المال العام، ولتحقيق هذه الأهداف استُخدم المنهج الوصفي التحليلي.
والمال في الاصطلاح: كل ما له قيمة, ويمكن حيازته والانتفاع به، وهو في الاصطلاح ما يتوافر فيه ثلاثة شروط، هي: أن يكون له قيمة, وأن يكون حيازة ذلك الشيء ممكنة, وأن يكون مما يُنتفع به. والمال العام هو ما تعود ملكيته إلى الأمة. حددت الآيات القرآنية التي وردت فيها كلمة المال، ثم صنف من تعلق بهم المال في إحدى الفئات التالية: مؤمن, وكافر, وعام؛ أي لم يحدده النص، أما فيما يتعلق بالاتجاه نحو المال كما جاء في تلك الآيات, فقد صنف في إحدى الفئات التالية: اتجاه إيجابي, واتجاه سلبي, وسكوت عن الاتجاه؛ أي أن المال لم يُمدح، ولم يُذم.
لقد أثبتت نتائج الدراسات التي أجريت في عدد من الدول الغربية أن من بين العوامل المؤدية إلى الاعتذار: ضعف سيطرة الأسرة على أفرادها, وإضفاء صفة البطولة على بعض تصرفات المجرمين, وتعاطي المخدرات, وفقد بعض الطلاب الطموح للوصول إلى مستوى تحصيلي مناسب, وأوضحت الدراسة أهمية اكتساب الطلاب بعض المفاهيم الأساسية, مثل: المال العام, والاستخلاف والتسخير, والجزاء, والدولة, والعبادة. ومراقبة النفس ومحاسبتها أهم قيمة ينبغي غرسها في النفوس، ولا بد أن يستشعر الفرد أن الله سبحانه وتعالى يراقبه في كل تصرف يقوم به. وهذا لا يتحقق إلا بتنوع أساليب التعليم والتعلم. وأبرزت الدراسة أهمية القدرة في تنمية قيمة المحافظة على المال العام.
مقدمة خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وكرمه, وهيأ له الأسباب التي تساعده على حمل الأمانة التي كلف بها، وكل إنسان يعيش في بيئة اجتماعية, وتحيط به بيئة طبيعية مسخرة له. قال سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي اْلأَرْضَ} [لقمان:20]. فهذه الآية الكريمة تبين أن كل ما في السماوات من شمس, وقمر, ونجوم, وكل ما في الأرض من معادن, وبحار, وأنهار, وثمار, هي لمنفعة الإنسان [1, ج1, ص159]. والإنسان لديه ميل فطري لامتلاك بعض ما يوجد في بيئته؛ فكل فرد من أفراد أي مجتمع من المجتمعات يميل لامتلاك بيت خاص به, ويجب أن يكون لديه مال ينفق منه على نفسه؛ لكنه في الوقت ذاته يشارك غيره استخدام أشياء أخرى لا تخضع للملكية الفردية, مثل الأنهار, وشواطئ البحار, والطرقات العامة. وقد يحسن المرء استخدام ماله الخاص, وما يشترك فيه من مال مع الآخرين, كما أنه قد يستخدمه بصورة سيئة. وهذا يعتمد على عوامل عدة، يأتي في مقدمتها نوعية التربية التي يتلقاها الفرد، فبعض السفهاء يبذرون أموالهم, ولا ينتفعون بها، ووصف القرآن الكريم المبذرين بأنهم إخوان الشياطين. وهناك عدد أكبر من هؤلاء يقومون بالاعتداء على الممتلكات العامة التي يشترك المجتمع في الانتفاع بها، وظاهرة الاعتداء على الممتلكات العامة أو سوء استخدامها تنتشر في المجتمعات بدرجات متفاوتة، ولا يكاد يخلو منها مجتمع واحد، والاعتداء أو سوء الاستخدام قد يقع من أفراد ينتمون لفئات عمرية مختلفة؛ أي قد يقترفه الصغار والكبار، ويترتب على هذا الاعتداء خسارة كبيرة لأفراد المجتمع جميعاً. لقد عُني المسلمون بتنظيم موارد الدولة منذ صدر الإسلام؛ وتجلى حرصهم في ظهور المؤلفات التي تبحث في هذا المجال, ومن هذه المؤلفات: كتاب الخراج لآبى يوسف القاضي المتوفى عام 182هـ / 798م, وكتاب الخراج ليحيى بن آدم القرشي المتوفى عام 203هـ / 818م, وكتاب الأموال لأبى عبيد القاسم بن سلام المتوفى عام 224هـ / 838م. كما أن الدول المعاصرة تحرص على ضبط مواردها كي تنفق منها على المشاريع التنموية؛ ولهذا ازدادت أهمية التخطيط، وبخاصة في مجال الواردات والمصروفات، كما قامت الدول بسن تشريعات للمحافظة على وارداتها، وللمحافظة على ممتلكاتها. ومع أن المحافظة على المال العام من القضايا المهمة التي تهم التربية, إلا أن الدراسات التي تبحث في هذا الموضوع في البلاد العربية شديدة الندرة، وبالرجوع إلى قاعدة البيانات التربوية ERIC اتضح أن مئات الدراسات أجريت في الغرب في السنوات الخمس الأخيرة؛ بينما لم أحصل بعد الاستعانة بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية - وهو مركز متخصص, وبه بنك معلومات إسلامي متميز – إلا على بضع دراسات؛ ولم يناقش أي منها البعد التربوي للقضية؛ ولهذا فإن مشكلة الاعتداء على المال العام مشكلة جديرة بالدراسة.
أهداف الدراسة للدراسة مجموعة من الأهداف التي يمكن تحقيقها من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية: 1- ما مفهوم التربية؟ 2- ما مفهوم المال؟ 3- ما مفهوم المال العام؟ 4- ما موقف الإسلام من المال؟ 5- ما مظاهر الاعتداء على المال، وما أسبابه؟ 6- ما المفاهيم التي يجب أن تغرسها التربية للمحافظة على المال العام؟ 7- ما القيم والاتجاهات التي يجب تنميتها للمحافظة على المال العام؟ 8- ما الأساليب التي يمكن اتباعها للمحافظة على المال العام؟
منهجية الدراسة المنهج البحثي الملائم لتحقيق أهداف الدراسة هو المنهج الوصفي التحليلي، ويقوم هذا المنهج على وصف الظاهرة, وتحليلها إلى عناصرها المكونة لها, ثم استخلاص النتائج، ويظهر هذا المنهج بوضوح عند استقصاء مفهوم المال في القرآن الكريم, فقد حُددت الآيات القرآنية الكريمة التي ورد فيها ذكر كلمة المال، ثم حُدد من يتعلق به المال في كل آية, كما رُصد موقف القرآن الكريم من المال إيجاباً أو سلباً أو حياداً، وهذا التحليل ساعد على استخلاص مفهوم واضح للمال مشتق من الآيات القرآنية الكريمة.
مفهوم التربية التربية عملية متكاملة، هدفها تنشئة الفرد تنشئة تشمل النواحي النفسية, والعقلية, والاجتماعية, والجسمية, وغيرها، والله سبحانه وتعالى رب العالمين, وهو مربي البشرية. وكلمتا الرب والتربية مشتقان من مصدر واحد؛ فمفهوم الربوبية يتضمن التربية والعناية بالإنسان [ا, ج1, ص56]؛ وفي هذا دلالة واضحة على عظم أهمية التربية. كما أن إشارة القرآن الكريم إلى تلقي آدم عليه السلام كلمات من ربه تدل على أن التربية التي عاشت في ظلها البشرية أولاً كانت تربية مهتدية. ولقد نشأت فيما بعد مجتمعات انحرفت عن طريق الهداية, وتبنت نظريات تربوية خاصة بها، ولا مجال لمناقشة النظريات المتعددة في هذه الدراسة, ويكفي أن يشار إلى أن كل مجتمع يدين بعقيدة معينة، له نظريته التربوية الخاصة به المنبثقة عن تلك العقيدة، ولا يستطيع أي مجتمع أن يتبني النظرية التربوية لمجتمع آخر دون أن يتخلى عن عقيدته، أو يجري تحويراً فيها؛ فالتربية لا تستعار ولا تستورد؛ بل هي ذات صلة وثيقة بعقيدة المجتمع ومبادئه التي يؤمن بها، وهذا لا ينفي وجود نقاط التقاء بين النظريات التربوية, كما انه لا يتعارض مع تبادل الخبرات بين المجتمعات في المجال التربوي، فالأمة الحية هي التي تستفيد من خبرات غيرها؛ سواء أكان ذلك في المجال الصناعي, أم التجاري, أم التربوي. والتربية لها أركان, من أهمها: المتعلم, والمنهاج, والمعلم. والمنهاج يقوم على أسس, هي: الأساس العقدي, والأساس النفسي, والأساس الاجتماعي, والأساس المعرفي. وتختلف نظرة المربين إلى مفهوم عملية التعليم التي تعد جوهر العملية التربوية، ويمكن تلخيص أبرز الاتجاهات فيما يلي:
1- الاتجاه المعرفي: الذي يركز على الطريقة التي تقدَّم بها المعلومات؛ فنقل المعلومات إلى الطالب أهم ما يجب أن يركز عليه المعلِّمون، ونجد داخل هذا الاتجاه أكثر من مدرسة؛ فبعض المربين يرى أن حشو أذهان الطلاب بأكبر قدر ممكن من المعلومات هو ما ينبغي عمله؛ بينما يرى آخرون أن على المعلم تقديم المعلومات وترك الطالب يتفاعل معها, ويختار ما يراه مناسباً منها، إنهم يعطون مجالاً أكبر للتفكير القائم على الاستبصار.
2- الاتجاه السلوكي: يركز أنصار هذا الاتجاه على تعديل السلوك من خلال ضبط المثيرات والاستجابات، فالمثير يحدث استجابة معينة؛ فإذا كانت الاستجابة مرغوباً فيها عززت، وقدم لها التدعيم المناسب دون تأخير, وإذا كانت غير مرغوب فيها عوقبت أو أهملت.
3- الاتجاه الاجتماعي: يرى بعض المربين أن التعليم في جوهره عملية اجتماعية؛ فهي تتم في وسط اجتماعي, وتهدف إلى إعداد الفرد كي يكون متوافقاً مع البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها؛ ولهذا لا يجوز أن تغفل التربية البعد الاجتماعي؛ وبخاصة الطريقة التي يتفاعل بها الطلاب مع بعضهم, ومع معلميهم.
4- الاتجاه الفردي: يرى أنصار هذه الاتجاه أن مشاعر الطالب واتجاهاته هي محور العملية التربوية, ولا يجوز أن يفرض عليه ما يتعارض مع اتجاهاته, أو ما لا يستطيع فهمه، ولهذا يركز المربون أصحاب الاتجاه الفردي على تفريد التعليم, ويعنون الفروق الفردية عناية كبيرة, ويطالبون أن يتقدم كل طالب في التعلم بالقدر الذي تسمح به قدراته [2, ص ص249 – 251].
إن النظرة المتأنية في الاتجاهات السابقة تقود إلى الاستنتاج بأن المعرفة, والسلوك, ورعاية مشاعر الفرد, والروح الاجتماعية لديه ليست اتجاهات متناقضة؛ بل هي مظاهر متعددة للعملية التربوية؛ فالمربي لا يحقق أهدافه إلا إذا كانت لديه معرفة يستخدمها لإحداث تغيير في أولئك الذين يشرف على تربيتهم، وهناك انسجام وتناغم بين الجانب الفردي والجانب الاجتماعي في النفس الإنسانية، وهذا يظهر بوضوح في قوله سبحانه وتعالى: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [الأنفال:65]. فهذه الآية الكريمة تشير إلى عدد الكفار الذين يستطيع المؤمن مواجهتهم في ساحة القتال، فالمؤمن يستطيع أن يواجه عشرةً من الكفار؛ ولكن الخطاب جاء على صورة الجماعة؛ مما يدل على أن الفرد يستمد بعض خصائصه من الجماعة التي ينتمي إليها. والسلوك هو المحصلة النهائية التي تهدف إليها التربية؛ فلا خير في معرفة لا تؤدي إلى عمل مفيد، ونجد في كثير من الآيات القرآنية ربطاً بين الإيمان والعمل الصالح، ومثال ذلك قوله سبحانه وتعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [سورة المؤمنون, الآيات 1-5]. فالعمل من مقتضيات الإيمان ولوازمه. وهكذا يبدو واضحاً أن التربية عملية مقصودة, هدفها العناية بالإنسان الفرد, وبالمجتمع الذي يعيش فيه، وهي تسعى لإكساب الفرد سلوكاً مرغوباً فيه، والعلم الذي تقدمه التربية للمتعلمين علم نافع يؤدي لتعديل السلوك نحو الأحسن، ولكي يتضح مفهوم التربية؛ فإنه لابد من ذكر الحقائق التالية: - ليست التربية مجموعة من المعارف والحقائق وحسب, وإن كانت هذه تدخل في العملية التربوية. - ليست التربية مجرد نقل للمعلومات من الكتب أو أذهان المربين إلي الطلاب؛ وإن كانت تنطوي على اكتساب الطلاب معارف ومعلومات. - ليست التربية مجرد عملية تحفيظ لنصوص معينة؛ وإن كان حفظ بعض النصوص من الأهداف التي تسعى إليها التربية. - ليست التربية مجرد ضبط لسلوك الطلاب ضبطاً صارماً, فضبط السلوك لا يفرض على الطلاب فرضاً, كما أنه لابد من إدراك أن ضبط السلوك في الصف ليس هدفاً في حد ذاته؛ بل إجراء يقصد به توجيه الطلاب إلى القيم والمثل العليا. - ليست التربية اهتماماً بالجانب الفردي في الإنسان على حساب الجوانب الأخرى, وهي ليست كذلك ترجيحاً للجانب الاجتماعي على الجانب الفردي؛ فالتربية الصحيحة هي التي توازن بين جوانب النفس الإنسانية؛ ولا تضحي بأي منها لصالح الجوانب الأخرى.
مفهوم المال المال لغةً: ما يمتلكه الإنسان من أشياء, وجمعها أموال. وقد أطلق المال في الأصل على ما يمتلكه المرء من الذهب والفضة, ثم توسع المفهوم، ودخل فيه امتلاك الحيوانات وغيرها من المخلوقات [3, ج11, ص635 – 636], والمال في الاصطلاح: كل ما له قيمة, ويمكن حيازته والانتفاع به. وفي اصطلاح الفقهاء لا يعد الشيء مالاً إلا إذا توفر فيه ثلاثة شروط، هي: 1- أن يكون له قيمة؛ ولهذا يلزم كل من أتلف عن قصد شيئاً ذا قيمة دفع ثمن ما أتلف. 2- أن يكون حيازة ذلك الشيء ممكنة؛ ولذلك فإنه لا يعد الهواء وضوء القمر من الأموال. 3- أن يكون مما يُنتفع به؛ فكل ما لا ينتفع به, مثل لحم الميتة, أو الطعام الفاسد, لا يعد مالاً، أما الأنعام, وميتة السمك, وميتة الجراد, فإنها مال. ومن هنا يبدو بوضوح أن مفهوم المال مرتبط بالقيم التي يؤمن بها المجتمع؛ فالخنزير مال في المجتمعات غير الإسلامية التي تبيح أكله, وتستخدمه في أغراض متعددة منه، وهو خلاف ذلك في المجتمع الإسلامي الذي يعد أكله محرماً [4, ج4, ص40].
إن المال من الأسس المهمة التي تُبنى عليها الحضارات، والقرآن الكريم يشير إلى هذه الأهمية الكبيرة للمال في قوله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } [النساء: 5]. ولدى تفسير هذه الآية الكريمة ذكر أحد العلماء أن المال يساعد على تحقيق سعادة الإنسان, وبه يتقدم العلم, ويتحقق النصر على الأعداء [1, ج4, ص248]، فالإعداد للقاء الأعداء يحتاج إلى الأموال الكثيرة؛ وهذه الحقيقة تؤيدها من التاريخ الإسلامي وقائع معروفة؛ فقد تنافس الصحابة رضوان الله عليهم لتجهيز جيش العسرة زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
والأمم المعاصرة التي تفتقر إلى المال تقع ضحية البنك الدولي والقروض الربوية؛ ولهذا نجد بعض دول العالم النامي عاجزة عن قيمة ربا القروض التي وقعت تحت وطأتها، وغير خافٍ أن المجتمعات الغربية استغلت حاجة بعض المجتمعات إلى الأموال؛ فربطت بين تقديم المساعدات ونشر معتقداتها, وأفكارها, وأهدافها السياسية، ولعل هذا هو الذي يفسر انتشار النصرانية في أوساط بعض المجتمعات في جنوبي شرقي آسيا. ولابد من التأكيد هنا على أن الإقرار بأهمية المال لا يجوز أن يفهم منه القليل من أهمية الإيمان؛ سواء أكان ذلك في بناء الحضارة, أم في مجال التصدي للأعداء، وإذا كانت بعض الفلسفات التي اندثرت تعلل سير التاريخ الإنساني بالعوامل المادية؛ فإن الإنسان المسلم يرفض هذه النظرة الأحادية، إنه لا يغفل قيمة المال؛ ولكنه في الوقت نفسه لا يعده العامل الوحيد المفسر لقيام الأمم والحضارات؛ فالإيمان بالله سبحانه وتعالى يفجر من الطاقات ما تعجز عنه العوامل المادية كلها.
ويقسم الفقهاء المال تقسيمات عدة: فالمال باعتبار مدى الانتفاع به يقسم إلى قسمين: مال متقوم؛ وهو كل ما أباح الشرع الانتفاع به, ومال غير متقوم؛ ويشمل كل ما لا يجوز الانتفاع به إلا في حالات الضرورة؛ مثل الخمر. والمال باعتبار استقراره في محله نوعان: عقار؛ وهو ما لا يمكن نقله من مكان لآخر؛ مثل الدور والأراضي, ومال منقول؛ وهو ما يمكن نقله من مكان لآخر؛ مثل النقود والسلع التجارية. والمال باعتبار بقاء عينه نوعان: استهلاكي، واستعمالي. والمال الاستهلاكي: هو المال الذي لا ينتفع به إلا باستهلاك عينة؛ مثل: الطعام والوقود. والمال الاستعمالي: هو الذي يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه؛ مثل: الدور والكتب [4, ج4, ص ص 43 – 54]. والمال باعتبار من يمتلكه نوعان: مال عام, ومال خاص.
مفهوم المال العام المال الخاص: هو ما أعطي حق التصرف فيه لفرد أو مجموعة من الأفراد, والمال العام: هو ما تعود ملكيته إلى الأمة. وقد حافظ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على أرض السواد – وهى الأراضي الخصبة المزروعة في جنوبي العراق – ولم يقسمها بين المسلمين؛ حتى تظل مورداً ثابتاً لبيت المال [5, ص60], ومن الأمثلة على المال العام في العصر الحديث: دخل الدولة من النفط أو الصناعات, والمرافق العامة التي تضعها تحت تصرف أبناء الأمة جميعاً؛ مثل المدارس, والمستشفيات, والطرقات العامة, والجسور, والقلاع, والحصون، فالمال العام يشمل أموالاً منقولة وأخرى غير منقولة [6, ص74]. والمال لا يكون عاماً إلا إذا توافر فيه شرطان, هما [7, ص ص 11 – 12]: 1- أن يكون خاصاً بالأمة أو الدولة. 2- أن يخصص للمنفعة العامة؛ فالأصل في المال العام أن يكون حقاً لجميع أفراد الأمة.
والمال العام يرتبط بمفهوم الدولة والوظائف التي تقوم بها؛ ففي العصور السابقة كان الأفراد يتولون مهمة التربية ونشر التعليم، وأخذ إشراف الدولة على التعليم يتزايد في القرون الأخيرة، وبخاصة بعد النصف الثاني من القرن العشرين، وأصبحت الدولة في معظم المجتمعات ملزمة بفتح المدارس، وتعليم أبنائها فترة زمنية محددة تطول أو تقصر بناء على عوامل عدة، منها مدى قدرة الدولة على الإنفاق. فمقدار المال العام الذي ينفق على المؤسسات التربوية في تزايد مستمر؛ وهذا ينطبق على مجالات أخرى مثل الطرقات والمستشفيات. فتعدد وظائف الدولة ونموها أدى إلى اتساع نطاق تعامل جمهور الناس مع المال العام.
ثم إن مفهوم المال العام يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعقيدة التي يؤمن بها مجتمع معين أو أمة معينة؛ ففي الفلسفة الاشتراكية يحتل المال العام مساحة واسعة مقارنة بالمساحة التي يحتلها في المجتمعات الإسلامية، أو تلك التي تؤمن بالنظام الرأسمالي، فالدولة في الفلسفة الاشتراكية التي مثَّلها الاتحاد السوفييتي قبل انهياره هي التي تملك المصانع والمزارع، أما في المجتمعات الرأسمالية الغربية فيعطى المجال واسعاً للجهد الفردي؛ ولهذا فإن ما يعد مالاً عاماً في دولة قد لا يكون كذلك في دولة أخرى. ومهما كان نوع الفلسفة أو العقيدة التي تؤمن بها الدولة, فإنه لا مناص من قيام الدولة بسن تشريعات تكفل حسن استخدامه الأفراد للمال العام؛ فسلطات المرور تضع أنظمة وتعليمات تنظم مرور الشاحنات فوق الجسور, والسلطات المشرفة على الحدائق العامة تحدد ما ينبغي مراعاته, وما لا ينبغي عمله في هذه الحدائق. لكن الذي لابد منه هو عدم تعارض ما تسنه الدولة من تشريعات مع المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه المال العام، وهو المساواة بين الأفراد فيما يتعلق بحرية الانتفاع بهذا المال [8, ص 54]. وغني عن البيان أن حرية الأفراد في استخدام المال العام ليست مطلقة؛ فالحرية المطلقة تؤدي إلى خراب المال العام.
إن التفريق في المعنى بين مفهوم المال العام ومفهوم المال الخاص لا يقتضي وجود تعارض بينهما؛ فالمال العام ينتفع به أفراد الأمة جميعاً, وكأن كلاً منهم له حق فيه، والإنسان العاقل يحافظ على ماله الخاص وعلى المال العام، ولقد حث القرآن الكريم على عدم أكل أموال الناس بالباطل في قوله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 188]. ففي هذه الآية الكريمة يأمر الله سبحانه وتعالى بالمحافظة على أموال الناس؛ والمال العام داخل بكل تأكيد في أموال الناس؛ لأن المال العام لمنفعتهم. وهذا الربط الجلي بين المال العام والمال الخاص لا نظير له في أية فلسفة من الفلسفات الوضيعة؛ ولهذا فإن التعرف إلى نظرة الإسلام إلى المال تزيد البحث جلاء ووضوحاً.
موقف الإسلام من المال تكررت كلمة مال في القرآن الكريم ستاً وثمانين مرة في صيغة المفرد والجمع، وقد جاءت نكرة, ومعرفة بأل التعريف, ومضافة إلى ضمير المفرد الغائب "أمواله"، وضمير الجمع المخاطب "أموالكم"، وضمير الجمع الغائب "أموالهم"، وضمير الجمع المتكلم "أموالنا". كما أضيفت الكلمة إلى لفظ الجلالة في آية واحدة. واقترن المال بالبنين أو الأولاد في أكثر من ثلاثين آية قرآنية. لقد أضيف المال إلى لفظ الجلالة "الله" في الآية (33) من سورة النور؛ وبالنظر في الآيات التي أضيف فيها المال للإنسان؛ يتبين أن من يتعلق به يقع في إحدى الفئات التالية: مؤمن, وكافر, وعام؛ أي لم يحدده النص. أما فيما يتعلق بالاتجاه نحو المال كما جاء في تلك الآيات فإنه لا يخرج عن إحدى الفئات التالية: اتجاه إيجابي, واتجاه سلبي, وسكوت عن الاتجاه؛ أي أن المال لم يُمدح ولم يُذم، وجدول رقم 1 يبين عدد الآيات القرآنية لدى كل فئة من الفئات السابقة في كل من الاتجاهات الثلاثة.
جدول رقم 1: الآيات القرآنية موزعة حسب الاتجاه والفئةالفئة الاتجاه إيجابي سلبي غير محدد المجموع مؤمن 38 4 4 46 كافر 1 31 - 32 عام 4 3 - 7 المجموع 43 38 4 85
يظهر من جدول رقم 1 أن ارتباط المال بالمؤمنين، هو الأكثر تكراراً مقارنة بالفئتين الأخريين؛ لوروده في ستة وأربعين موضعاً, وأن الاتجاه الذي نجده في القرآن الكريم نحو المال عند المؤمنين اتجاه إيجابي في أغلبيته، ومن المظاهر الدالة على الموقف الإيجابي نحو المال الذي ارتبط بالمؤمن ما يأتي: 1- يحرم القرآن الكريم أكل أموال اليتامى؛ وفي هذا حث للمحافظة على المال. 2- يباعد الله سبحانه وتعالى بين النار والمؤمن الذي ينفق في سبيل الله سبحانه وتعالى. 3- المؤمنون يجاهدون في سبيل الله سبحانه وتعالى بأموالهم وأنفسهم. 4- المال من أسباب قوامة الرجل على المرأة؛ فالرجل ملزم بتقديم المهر للزوجة, والإنفاق على أسرته [1, ج5, ص55]. 5- الله سبحانه وتعالى يشتري المال من المؤمن بالجنة لقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} [سورة التوبة: 111]. 6- ينهى الله سبحانه وتعالى عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } [النساء: 5]. ومع أن معظم الآيات التي يتعلق المال فيها بالمؤمن تحمل اتجاهاً إيجابياً نحو المال؛ إلا أن بعضها يحمل اتجاهاً سلبياً؛ فالقرآن الكريم يحذر المؤمنين من تقديم حب المال على حب الله سبحانه وتعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم، والجهاد [انظر سورة التوبة, الآية 24] كما يحذرهم من فتنة المال والولد [انظر سورة الأنفال, الآية 28].
ولم يتحدد الاتجاه نحو المال في أربع من الآيات التي تتعلق بالمؤمن؛ فطالوت لم يؤت سعة من المال, وهود - عليه السلام - لا يسأل قومه مالاً لقاء دعوته إياهم إلى الإيمان, والله سبحانه وتعالى يبتلى المؤمن بالمال؛ أي أن المال وسيلة من وسائل الابتلاء [انظر سورة النساء, الآية 155]. وارتبط المال بالكفر اثنتين وثلاثين مرة في القرآن الكريم، والاتجاه الذي نجده في القرآن الكريم نحو ارتباط المال بالكافر إيجابي في آية واحدة, وسلبي في سائر الآيات الأخرى. فالله سبحانه وتعالى أورث المؤمنين أموال اليهود في المدينة المنورة؛ والمؤمن لا يرث إلا طيباً. أما المظاهر السلبية لموقف الكافر من المال فمتعددة, منها: 1- يغتر الكافر بالمال؛ ويبتعد نتيجة لذلك عن طريق الهداية؛ فالكافر يموت وهو منشغل بالأموال؛ فلا يفكر في مصيره بعد الموت. 2- يعطي الكافر نفسه حرية التصرف في المال؛ ولهذا فإنه يرفض كل نصيحة تقدم له وتتضمن حثاً على مساعدة الفقراء. 3- المال سبب في قلق الكافر في الحياة الدنيا وعدم راحته, ويوم القيامة يعذب بسببه [سورة التوبة, الآية 55]. 4- يفقد المال الكافر القدرة على الرؤية الصحيحة للأحداث؛ ولهذا يظن أن ماله لن يزول, ويصبح المال ميزان المفاضلة عنده. ويظهر هذا بوضوح في قوله سبحانه وتعالى: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } [الكهف: 34].
لم يرتبط المال في سبع آيات قرآنية بفئة محددة, بل ذُكر المال دون إضافة لأحد, أو أضيف للناس، وجاء الاتجاه نحو المال إيجابياً في أربع آيات, وسلبياً في ثلاثٍ منها. ومن الآيات التي تحمل الاتجاه الإيجابي قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ } [الروم: 39]. فالقرآن يحث على المحافظة على أموال الناس, ويحذر من أكل الربا. ثم إن كثيراً من الرهبان يأكلون أموال الناس بالباطل [انظر سورة التوبة, الآية 34ٍ]. أما الآيات التي تحمل الاتجاه السلبي فتشير إلى أن الحياة الدنيا بما فيها من أموال وأولاد لهو ولعب وزينة [انظر سورة الحديد, الآية 20]؛ فالمال في الآخرة لا ينفع إلا من أتى الله بقلب سليم [انظر سورة الشعراء: الآية 88].
إن موقف الإسلام من المال واضح لا غموض فيه؛ فالمال ليس شراً يجب على المؤمن محاربته أو الخلاص منه؛ كما أنه ليس هدفاً في حد ذاته يستحق أن يعمل الإنسان من أجله جل حياته، إنه وسيلة تعين الإنسان على الحياة, ونعمة من الله سبحانه وتعالى تستحق الشكر والعبادة. والمال له بعد نفسي؛ فقد يولِّد في النفس اتجاها إيجابياً, أو اتجاها سلبياً؛ ولهذا يجدر بالإنسان أن لا ينسيه المال الحقائق الجلية, وأن لا يتخذه هدفاً. فالمال يكتسب بالطريق الحلال؛ ولا يصح اكتسابه بطرق تنطوي على الظلم, مثل أكل مال الناس غصباً, أو عن طريق الربا. والإسلام يحافظ على المال سواء أكان المال مالاً عاماً أم خاصا، ومن الأدلة على حرص الإسلام على المال الخاص قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ((فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا)) [9, ج3, ص1329]. فمن الواضح إذن حرمة المال، وقد قرر الإسلام عقوبات على كل من يتعدى عليه بالسرقة, أو الغصب, أو الغش. والمال في الحقيقة لله سبحانه وتعالى, ومصداق ذلك قوله سبحانه وتعالى: {لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [سورة المائدة: 120]. فالإنسان ليس مالكاً حقيقاً للمال؛ بل هو مستخلف فيه بنص القرآن الكريم: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [سورة الحديد: 7]. فالإنسان المؤمن يتصرف في المال وفق ما شرعه الله سبحانه وتعالى، وكون الإنسان مستخلفاً في المال لا يعني نزعه منه دون مبرر؛ إذ لم يحدث في تاريخ الإسلام أن أُخذ مال غني بغير رضاه وأعطي لفقير [4, ج5, ص516]. ومع هذا فالمال له بعد اجتماعي؛ لآن المال مال الله, والناس عباد الله؛ ولهذا وجب الإنفاق من المال على أبناء المجتمع حتى لو كان خاصاً، لكن هذا لا يتم قسراً, أو عن طريق المصادرة, أو إلغاء الملكية الخاصة؛ ولكنه وفق ما شرعه الله من تربية النفس على البذل والعطاء، فالمؤمن ينفق من أمواله بالليل والنهار سراً وعلانية. وفي ظل هذه النظرة الوسيطة للمال في الإسلام تنتفي أسباب الصراع بين الفقراء والأغنياء, ولا يتكدس المال في أيدي فئة قليلة تتخذه وسيلة لقهر غيرها من أفراد المجتمع؛ فيشعر كل فرد أنه آمن على ماله.
مظاهر الاعتداء على المال العام وأسبابه الاعتداء على المال العام ظاهرة غير محصورة في فئة عمرية معينة, وهى موجودة في المجتمعات الغنية والفقيرة على حد سواء، ويتخذ الاعتداء على المال العام أشكالاً متعددة, منها:
1- الإتلاف: قد يقوم بعض أفراد المجتمع بتخريب المباني والحدائق وأثاث المدارس بصورة متعمدة، ويتخذ التخريب صوراً متعددة, منها: تشويه منظرها بالكتابة عليها, أو كسر النوافذ الزجاجية منها, أو إتلاف الأشجار.
2- الاستيلاء: ويقصد به أن يضم شخص بصور مباشرة جزءاً من المال العام إلى ماله الخاص، ويكون الاستيلاء بطرق متعددة, منها: الاختلاس، والنصب، والاحتيال، وقد يكون الاستيلاء بطريقة غير مباشرة؛ كأن يسهل لشخص آخر الحصول على المال العام مقابل الحصول على جزء منه [10, ص ص 62 – 63].
3- الغش: وأكثر ما يكون هذا في تنفيذ العقود المتعلقة بالمال العام؛ فبعض الشركات التي تقوم بتنفيذ عقود المقاولات والأشغال العامة لا تفي بالشروط التي يتم الاتفاق عليها، ويزداد الغش كلما قلت الرقابة على تنفيذ تلك العقود. ومما يساعد على الغش تقديم الرشوة للموظف المسؤول عن مراقبة التنفيذ، ولا جدال في أن انتشار الرشوة يضر بالمال العام ضرراً كبيراً [11, ص217]؛ ولهذا جاء تحذير الإسلام من الرشوة, وتهديد الراشي والمرتشي من عذاب الله يوم القيامة.
4- الإهمال: قد يرتكب الموظف في حق المال خطأً تترتب عليه جوانب جسيمة تضر بذلك المال، ويقصد بالإهمال عدم بذل المسؤول الجهد الذي يتطلبه عمله أو وظيفته، فالحارس المسؤول عن حراسة المبنى المدرسي يعد معتدياً على المال العام إذا ما أهمل في أداء وظيفته, وترك المدرسة دون حراسة معظم ساعات اليوم.
من الواضح أن الأطفال وطلاب المدارس لا يقومون باعتداءات على المال العام عن طريق الاستيلاء أو الغش في تنفيذ العقود أو الإهمال؛ لأنهم ليسوا في موضع السلطة، لكنهم قد يعتدون على المال العام عن طريق الإتلاف والتخريب، وهذا ما أشارت إليه دراسات عدة أجريت في أكثر من قطر؛ فقد أجرت دائرة التربية في كاليفورنيا عام 1996م دراسة عن السلامة في المدارس هدفت إلى معرفة الجرائم التي يرتكبها الطلاب في أربعة مجالات، هي: الاعتداء على الممتلكات العامة, والاعتداء على الأشخاص, والجرائم المتعلقة بالمخدرات والمسكرات, وجرائم أخرى، وأظهرت نتائج الدراسة أن الجرائم المتعلقة بالاعتداء على الممتلكات العامة كانت الأكثر شيوعاً؛ إذ بلغت نسبتها 34% من مجموع الجرائم، وكان معدلها 4.1 جريمة لكل ألف طالب وطالبة. وضمن فئة الاعتداء على الممتلكات, كان التخريب المتعمد الأكثر شيوعاًً؛ إذ بلغت نسبته 1.7 جريمة لكل ألف طالب [12]. وأظهرت دراسة أخرى أجريت في كندا عام 1995م أن ملايين الدولارات تنفق سنوياً على إصلاح الممتلكات العامة؛ نتيجة للاعتداء المتعمد من جانب الطلاب [13]. وفي دراسة أجريت في بريطانيا, وزعت استبانة على 225 كلية, وأجاب عنها حوالي نصف هذه الكليات، وقد أفادت 109 من الكليات أنه وقع بها سرقات واعتداءات على الممتلكات [14]. ولمعرفة بعض العوامل التي تدفع الطلاب إلى الاعتداء على المال العام أجريت دراسة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1992م، وأظهرت نتائج الدراسة أن من بين العوامل المؤدي إلى الاعتداء: ضعف سيطرة الأسرة على أفرادها, وإضفاء صفة البطولة على بعض تصرفات المجرمين, والأثر الذي يتركه رفاق السوء, وانتشار ظاهرة السكر وتعاطي المخدرات بين الطلاب, وضعف الطموح لدى بعض الطلاب للوصول إلى مستوى تحصيلي لائق [15]. وتظهر الإحصاءات الصادرة عن المركز القومي للإحصاءات التربوية الأمريكية عام 93/1994م أن نسبة حدوث الاعتداء على الأشخاص والممتلكات في المدارس الابتدائية أقل مما هو عليه الحال في المدارس الثانوية، كما تظهر الإحصاءات أن الاعتداء يتناقص كلما تم الانتقال من المدن إلى الضواحي، ثم إلى المناطق الريفية [16]. ولمعرفة أثر جنس الطالب (ذكر/ أنثى) على تخريب الممتلكات في الجامعات أجريت دراسة في الولايات المتحدة عام 1997م, وأظهرت نتائج الدراسة أن الذكور أكثر ميلاً للاعتداء على الممتلكات من الإناث [17]. يبدو مما تقدم أن البيئة الأسرية غير المناسبة, وأقران السوء, وبعض العوامل المتعلقة بالمناخ المدرسي تؤثر سلباً في الطلاب, وتدفعهم إلى الاعتداء على الممتلكات العامة؛ فالطالب الكسول أو المنبوذ من قِبَل الرفاق أو المعلمين يجد في الاعتداء على ممتلكات المدرسة وسيلة للتنفيس عن حالة الإحباط التي يعيشها. وغني عن البيان أن الجهل وعدم إدراك المعتدي أهمية المال العام يساعده على الاعتداء، إنه يجهل أن هذا المال ينفق منه على أفراد المجتمع, وأنه شخصياً يستفيد من هذا المال, كما أنه شخصياً يلحقه الضرر نتيجة للتلف الذي يحدث, والأموال التي تنفق لإصلاح التلف. وبعض البالغين في المجتمع قد تكون لديهم المعرفة الكاملة لأهمية المال العام؛ لكنهم مع ذلك لا يترددون في الاعتداء عليه، ومن الأسباب التي تدفعهم إلى ذلك ضعف الرقابة على المال العام, وضعف العقوبات التي تفرض على كل من يتعدى عليه؛ ولهذا لابد لكل مجتمع يرغب في المحافظة على المال من سن التشريعات التي تكفل الحفاظ عليه. وربما كان لظاهرة الاعتداء على المال العام بُعْد سياسي؛ فقد خضعت أجزاء كبيرة من العالم العربي لسيطرة الدول الاستعمارية, وحدثت حروب ومواجهات بين سكان البلاد والسلطات المستعمرة، والعداء بين سكان البلاد والدولة المستعمرة جعل السكان ينظرون إلى مال الدولة على أنه مال مباح؛ لهذا نسمع في بعض البلاد العربية هذه العبارة: "هذا مال دولة"، ويقصد بذلك تبرير الإضرار به، أو الاعتداء عليه!! وواجب المربين ترسيخ مفهوم الدولة الحديثة في أذهان الناشئة، ومما يؤسف له أن القمع والاستبداد الذي مارسته بعض الدول الوطنية الحديثة في العالم العربي يحول دون تغيير مفهوم الدولة الموروث من عهود الاستعمار، ولابد من تحسين العلاقة التي تربط الدولة بالمواطن؛ حتى يحدث تغيير في اتجاهات المواطن نحو الدولة ومؤسساتها, ومالها.
المفاهيم التي تغرسها التربية تستطيع المؤسسات التربوية أن تحد من ظاهرة الاعتداء على المال العام إذا ما أكسبت أفراد المجتمع في أثناء سنوات الدراسة وما بعدها بعض المفاهيم الأساسية, ومن أبرز هذه المفاهيم: 1- المال العام: كل ما تحوزه الدولة, وله قيمة, ويعود نفعه لأفراد المجتمع.
2- الاستخلاف: عمارة الأرض وفق ما شرعه الله سبحانه تعالى، وقد شرف الله سبحانه تعالى الإنسان بهذه الوظيفة دون سائر المخلوقات, ووهبه من الخصائص ما يعنيه على أداء مهام الخلافة؛ ومن هذه الخصائص القدرة على التعلم، وحرية الإرادة, والعقل، فالخليفة يعرف كيف يتعامل مع كل ما يحيط به بما في ذلك المال العام.
3- التسخير: التسخير لغةً القهر والتذليل, ومعنى هذا أن الأشياء على هذه الأرض والكواكب والنجوم لا تملك إلا أن تكون لصالح الإنسان وخدمته، فمفهوم التسخير يدل على أن سائر المخلوقات هي في خدمة الإنسان, وهو مطالب بأن يعرف كيف يحصل على ما يفيده منها، والمال العام من بين الأمور المسخرة للإنسان.
4- الجزاء: المكافأة على التصرفات التي تصدر عن الأفراد, ويكون ثواباً في حالة التصرفات الخيرة, وعقاباً في حالة التصرفات التي تنطوي على شر, وإضرار بالفرد والمجتمع.
5- الدولة: مجموعة من الأفراد تقيم في إقليم معين, وتربط بين أفرادها أواصر عديدة يأتي في مقدمتها الدين, واللغة, وتتمتع بالاستقلال والسيادة، ولها أنظمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية الخاصة بها.
6- الضمير: قوة داخلية تنمو مع نمو الفرد, والضمير رقيب داخلي يعمل على إبعاد صاحبه عن اقتراف الأعمال غير المرغوب فيها, وتوبيخه في حالة إقدامه على ذلك، والنفس اللوامة التي أقسم بها الله سبحانه تعالى هي هذا الرقيب الداخلي الذي يغني في حالة اكتماله عن الحاجة للرقابة الخارجية.
7- العبادة: اسم جامع لما يحبه الله سبحانه تعالى ويرضاه؛ وبهذا فإن الصلاة عبادة, والصيام عبادة, والمحافظة على الأثاث, والمحافظة على المال العام عبادة.
8- الوسطية: وسط الشيء أعدله وأفضله؛ لقوله سبحانه تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [سورة البقرة: 143]. فالوسطية خاصية من خصائص الأمة الإسلامية التي تدل على حسن التصرف في كل موقف من المواقف. والأمة الوسط تبتعد عن التبذير والإسراف, وتحافظ على المال العام, ولا تنفقه إلا في الأوجه المشروعة. إن اكتساب الطلاب لهذه المفاهيم الأساسية مقدمة لا غنى عنها إذا ما أريد لهم أن يحسنوا التعامل مع المال العام، وهذه المفاهيم المجردة لا تؤتي أكلها إلا إذا غرست معها مجموعة من القيم والاتجاهات في نفوس الطلاب.
القيم والاتجاهات التربوية اكتساب المفاهيم الأساسية المتعلقة بالمال العام أهداف مهمة لا غنى عنها إذا ما أريد تربية الفرد الصالح الذي يحافظ على المال العام؛ لكنها ليست الأهداف الوحيدة؛ فهناك مجموعة من القيم والاتجاهات التي ينبغي غرسها في الأفراد. ومع أن القيم ترتبط بالمفاهيم ارتباطاً قوياً, إلا أنها مختلفة عنها؛ فالطبيب الذي يدخن السجائر يعرف أضرارها؛ ولكن الاتجاهات الإيجابية نحو التدخين ليست قوية بالقدر الذي يبعده عن هذه العادة الذميمة التي تلحق ضرراً بصحته. فالتربية معنية بغرس القيم والمحافظة عليها؛ إذ تشكل القيم والاتجاهات أحد المجالات المهمة لأهداف كل منهاج تربوي، وفيما يلي أهم القيم التي توجه صاحبها للمحافظة على المال العام: 1- أن يستشعر أن الله سبحانه تعالى يراقبه في كل تصرف يقوم به؛ ويدخل في ذلك طريقته في التعامل مع المال العام. 2- أن يحافظ على بيئته التي يعيش فيها, وأن يتجنب إلحاق الضرر بها, سواء أكان ذلك في مجال المال العام أم المال الخاص. 3- أن ينهج في تصرفاته منهجاً وسطاً؛ كأن يحرص على ترشيد الاستهلاك, وتجنب الإسراف. 4- أن يتخير الأصدقاء الذين يعينونه على أداء الأعمال الصالحة, وأن يحذر من أصدقاء السوء. 5- أن يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح, والمعلمين, وكل من يعرف بحسن التصرف في الأقوال الأفعال. 6- أن يعتقد بأن الله سبحانه تعالى يحاسب الإنسان يوم القيامة على كل ما يصدر عنه من أعمال، وهذا الاعتقاد الجازم رادع للمرء من الاعتداء على المال العام, وحافز قوى للمحافظة عليه، فالخوف والرجاء كجناحي طير؛ لا تستغني التربية عن واحد منهما. 7- أن يعتقد بأن المجتمع المسلم كالجسد الواحد, فكل اعتداء على عضو يؤثر على سائر الأعضاء الأخرى، والاعتداء على المال العام يؤثر سلباً على كل المؤسسات التي تشرف عليها الدولة؛ خدمةً لأفراد المجتمع جميعاً. 8- أن يعوِّد نفسه على الطاعات, وأن يحارب الأهواء والرغبات؛ وهذا لا يكون إلا بالتدرج. 9- أن يحاسب نفسه على التصرفات التي تصدر عنه عندما يتبين أنها تضر بالمصلحة العامة, وأن يندم على ما بدر منه. 10- أن يعتذر عن التصرفات التي يقوم بها وتلحق الأذى بالآخرين أو بالمال العام, وأن يعيد ما أخذه من المال العام، ويدفع قيمة ما ألحقه من أذى, وأن يعلن ندمه على ذلك, وعزمه على عدم تكرار ما صدر عنه من مخالفات.
إن هذه المنظومة من القيم النابعة من العقيدة الإسلامية كفيلة بتربية الإنسان الصالح؛ هذا الإنسان الذي يراقب نفسه، ويشعر أن الله سبحانه تعالى يراقبه، هذا الإنسان الذي يؤمن بأن الحياة الدنيا مزرعة للآخرة؛ فيقبل على عمل الطاعات, وتجنب المنكرات. ولعل الخواء الروحي, وسيطرة الفلسفات المادية في كثير من المجتمعات المعاصرة, وضعف الوازع الديني هي التي تقف وراء الاعتداء على المال العام؛ سواء أكان ذلك عن طريق الرشاوى, أم الاختلاسات, أم غير ذلك. ويعجز كل مجتمع من المجتمعات المعاصرة عن تعيين مراقبين أو رجال شرطة لمراقبة المواطنين جميعاً، وحتى لو نجح مجتمع في ذلك؛ فلن ينجح في تعيين مراقبين لمراقبة المراقبين، وهذا يجعل الرجوع إلى العقيدة الصحيحة مفتاح الحل الأمثل لهذه المشكلة.
الأساليب التربوية يعتمد اكتساب المفاهيم والقيم والاتجاهات التي سبق ذكرها على استخدام أساليب تربوية ملائمة، ومن أبرز الخصائص التي تتصف بها تلك الأساليب أنها متنوعة؛ فالمربون يمكنهم توظيف الأسلوب القصصي, وأسلوب المناقشة الذي يعتمد على الاستقراء, والأسلوب الاستقصائي الذي يقوم على جمع المعلومات من مصادر متعددة، وكلما تعددت الأساليب التربوية أصبح الوصول إلى الهدف المنشود أكثر قرباً, وأسهل منالاً. وعلى المربين اختيار الأسلوب الملائم للمرحلة العمرية للطلاب، فتلاميذ الصفوف الأولى يناسبهم ذكر قصة الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - الذي بعث غلامه ليشوي له لحماً, فجاءه بها سريعاً مشوية, فسأله: أين شويتها؟ فأجاب الغلام: في المطبخ. فسأل: في مطبخ المسلمين؟ فأجابه الغلام: نعم. قال: كلها؛ فإني لا أريدها [18, ج9, ص210]. أما طلاب الجامعات فقادرون على استخدام الأسلوب الاستقصائي أكثر من غيرهم؛ نظراً لعوامل عديدة، منها: توافر مصادر المعرفة من مراجع وشبكة معلومات في مكتبات الجامعات, وقدرتهم على التلخيص, والتنظيم, ومقابلة الأدلة, وترجيح الدليل الأقوى.
والأسلوب التربوي الملائم لإكساب الطلاب المفاهيم والاتجاهات السليمة نحو المال العام يقدم للطلاب معرفة صحيحة, ويحرك عواطفهم وانفعالاتهم؛ فالطريقة الناجحة لا تقتصر في خطابها على الجانب العقلي من الشخصية الإنسانية؛ بل تُعنى بالجانب النفسي، والمربي الذي يرغب في تنفير الطلاب من الاعتداء على المال العام يمكنه أن يقدم الحديث الشريف التالي، ويشرحه شرحاً وافياً: جاء في كتاب هدايا العمال في صحيح الإمام البخاري: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً من بني أسد على صدقه, فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أهدي إليَّ. فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر، وحمد الله سبحانه تعالى، وأثنى عليه، ثم قال: ما بال العامل نبعثه فيأتي ويقول: هذا لك ،وهذا لي؟! فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيُهدى إليه أم لا؟! والذي نفسي بيده, لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته؛ إن كان بعيراً له رغاء, أو بقرة لها خوار, أو شاة تيعر. ثم رفع يديه وقال ثلاثاً: ألا هل بلغت؟!)). [9, ج4, ص2243].
فهذا الحديث الشريف يبين المصير البشع يوم القيامة لمن يعتدي على المال العام, إنه يفتضح أمره على رؤوس الأشهاد، وكل عاقل يفكر في هذا المصير لا يجرؤ أن تمتد يده إلى المال العام؛ فالعواطف والانفعالات التي يولدها الحديث الشريف تدفع صاحبها بعيداً عن العدوان على المال العام, وتحصنه من الوقوع في الإثم. والأساليب التربوية الفعالة التي تراعى جوانب الشخصية الإنسانية كلها تستثمر قابلية الإنسان للتعلم باستخدام الثواب والعقاب. وكل نظام تربوي يغفل العقاب، أو يسيء استخدامه يعوق نمو القيم عند الطلاب، وليس معنى هذا أن يسود الإرهاب, وأن تعتمد التربية الأساليب القمعية، فالجزاء من جنس العمل, والذي يحسن التصرف يكافأ على ما يصدر عنه, والذي يعتدي على المال العام ينبه إلى خطئه أولاً, ثم يعاقب عقوبات تلائم مستوى الاعتداء، وعمر المعتدي ودوافعه، ولكن علينا أن ندرك أن حماية الأفراد من الوقوع في الخطأ تسبق إيقاع العقوبة؛ ولهذا لابد من وجود توعية كافية في جميع المراحل التعليمية، تهدف إلى التعريف بأهمية المال العام، وسبل المحافظة عليه, والآثار الاجتماعية والاقتصادية التي تترتب على الاعتداء عليه. والأسلوب التربوي الذي يبالغ في التساهل مع المخالفين بدعوى مراعاة نفسية الفرد يسهم في إيجاد جيل متمرد؛ أما الأسلوب الذي يبالغ في الزجر والتخويف فيسهم في إيجاد جيل مقهور، لا يستجيب إلا للمثيرات التي ترد إليه من الخارج. والأساليب التربوية الملائمة تمتاز بقدرتها على حفز الطلاب للارتقاء في أهدافهم, وبلوغ الدرجات العلى، فالأسلوب التربوي الناجح لا يكتفي بتزويد الطلاب بالحقائق المتعلقة بالمفاهيم المرغوب فيها, بل يولد فيهم الدافعية لمزيد من التعلم، ومن تنمو لديه الدافعية للتعلم يصبح أكثر قدرة على التعلم الذاتي، ومن تنمو لديه القدرة على التعلم الذاتي يتفوق على نظرائه الذين يفتقرون إلى هذه القدرة. ونظراً لتباين قدرات الطلاب العقلية؛ فإن الاهتمام بالتعلم الذاتي يصبح مطلباً ملحاً، ويمكن أن توجه التربية الطلاب للإفادة من التقانات التربوية، والطفرة الحالية التي يشهدها العالم في مجال المعلومات. ويمكن للطالب أن يزداد دراية بالمعرفة عن المال العام من خلال الاطلاع على الدراسات التي تعرض على شبكة الإنترنت، فالتعلم الذاتي, والتقانات الحديثة, والثورة في عالم المعلومات عوامل تساعد على توسيع مدارك الطلاب, وتمكنهم من إجراء مقارنات بين مدى الاعتداء على المال العام في أكثر من بلد من بلدان العالم، وهذا من شأنه أن يساعد على تشكيل الاتجاهات السليمة, وتنمية العمليات العقلية العليا. يضاف إلى ذلك أن الجو العام الذي تهيئة المؤسسات التربوية جزء لا يتجزأ من الطريقة، فالقدوة أسلوب ت | |
|