beddah الزعيم The Boss
عدد المساهمات : 807 نقاط : 59089 تاريخ الميلاد : 08/03/1990 تاريخ التسجيل : 10/11/2009 العمر : 34 الموقع : هورين - بركة السبع - المنوفية
| موضوع: عمـر بن عبدالعزيز..خامس الخلفاء بقلم: ســنـاء البيـــسي 12/9/2009, 2:02 pm | |
| عمـر بن عبدالعزيز..خامس الخلفاء بقلم: ســنـاء البيـــسي
| |
في حلوان جاء مولده عام61 هـ أيام كانت مرتعا وملعبا وجنة وهواء عليلا طيبا وينابيع شفاء.. أيام كانت حلوان عاصمة في زمن آل مروان هروبا من طاعون البلاء.. أيام كانت حلوان شجرا وثمرا وحدائق غناء ونخيلا وأعنابا وقصرا منيفا لحاكم البلاد.. أيام كانت حلوان ملاذ الأمان لعمر بن عبدالعزيز بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف... و..تبقي حلوان من بعده قرونا جنة الرحمن التي نلحق بها في زماننا نلهو أطفالا بين ربوعها وتغمرنا ينابيعها ونبيت فيها منتجعا للصحة والجمال.. حتي.. حتي سكن الطير وتحجر الشجر وانسدت الرئات واختنقت الحديقة اليابانية وانكفأ تمثال بوذا علي وجهه حزنا علي ما أصاب ملجأ الخلفاء ومدينة الشفاء بعدما زحفت المصانع والمداخن والتلوث والسناج والهباب, وكانت نقطة البداية الرعناء انتقال مصانع الحرير لصاحبها اللوزي من دمياط إلي حلوان, وبعدها أتاها نذير الموات مع الحديد والصلب والصهر والطرق وذرات كربون وغبار أسمنت معلقة في الفضاء وأسياخ الأفران ودرن الرئات..
في زمانه وزمان حلوان رمح الأمير الصغير في حدائق قصر والده لتسوقه قدماه إلي حظائر الخيل فيثب بينها لاهيا يمسح علي رؤوسها ويدور من حولها ويتأرجح مع أذيالها فإذا بجواد ملول يترفع عن اللعب مع الصغار يزيحه بركلة تلقيه أرضا بعدما شجت جبينه فيحمل لوالده والدم يغطي وجهه الباكي البريء, وقبل أن يغشي الأب الأسي علي ابنه طافت بخاطره ذكري ألقت علي وجهه راحة كبري ليزف لزوجته سبب البشري: أبشري يا أم عاصم لقد تحققت نبوءة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في ابننا الحبيب بهذه الدماء.. وكانت بداية النبوءة عندما كان ابن الخطاب يطوف ليلا في طرقات المدينة لعل هناك جائعا أو مريضا أو مقهورا في حاجة لمعونة, وعندما أرهقه الطواف لاذ بحائط دار فقيرة فترامي لأذنيه حوار بين أم وابنتها حول اللبن الشحيح الذي جاد به ضرع عنزتهما العجفاء, وكانت الأم تدعو ابنتها لتخلط اللبن بالماء ليفي ثمنه بحاجاتهما: يا بنية امزقي اللبن بالماء.. وتجيبها الابنة: كيف أمزق وأمير المؤمنين نهي عنه!..
فتعود الأم: إن أمير المؤمنين لا يرانا الآن.. امزقي.. وتجيبها الابنة: إن كان أمير المؤمنين لا يرانا فرب أمير المؤمنين يرانا.. و.. عاد أمير المؤمنين لداره ليدعو عاصم ابنه موجها نصيحته: اذهب فتزوج الابنة فما أراها إلا مباركة ولعلها تلد رجلا يسود العرب.. وتزوج عاصم الفتاة لتلد له ليلي وكنيتها أم عاصم التي تزوجت بدورها عبدالعزيز بن مروان لتلد له عمر بن عبدالعزيز, وتكتمل النبوءة عندما يري أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رؤيا نهض منها ليسأل قبل أن يأتي الحفيد بأربعين عاما: من هذا الأشج من بني أمية؟ ومن ولد يسمي عمر يسير بسيرة عمر ويملأ الدنيا عدلا؟!!.. و.. تركل الفرس جبين الموعود فيشج ليتذكر والده نبوءة الجد فيهتف غبطة: إن تكن أشج بني أمية, إنك إذن لسعيد!!
ابن الرفاهية والنعيم جميل الطلعة أبيض البشرة نحيل القوام مسدل الشعر علي الأكتاف, من كان إذا سار هب عبق المسك يعلن قدومه, ويطبع بخاتمه فيفوح موضعه العنبر, ويشتري الثوب الثمين ليرتديه مرة واحدة, وفي اليوم الواحد يغير حلتين, ويسبل إزاره حتي يكاد يتعثر بذيله الهفهاف, وربما دخل نعله فيه فيشقه فلا يخلع النعل, ويسقط أحد شقي ردائه عن منكبه فلا يرفعه, ويمشي مشية متأنقة متبخترة يحسده عليها الطاووس سميت باسمه المشية العمرية التي أصبحت من آيات الأناقة لدي الرجال والنساء ــ تلك المشية التي لم يستطع تركها بعد زهده حتي يقول لغلامه مزاحم: ذكرني إذا ما رأيتني أمشي بها لأقومها.. لكنه لم يكن يستطيع إلا الرجوع إليها بلا عمد ــ
وكان ركبه في السفر أربعين جملا تحمل متاعه من الكتب وأفخر الثياب وأطيب الطعام والشراب.. ركب يغادر مصر إلي المدينة بالغلام ليدرس بها ويتفقه وهي يومئذ منارة للعلم ومجتمع يموج بالنبوغ الإنساني في فنون الشعر والعزف والغناء, ويستجيب لرغبة والده في أن يدرس إلي واحد من كبار فقهائها صالح بن كيسان, وحدث أن تأخر عمر عن صلاة إحدي الفرائض مع المصلين بمسجد الرسول فسأله بن كيسان عن سبب تأخره فأجاب الغلام في صدق: كانت مرجلتي ــ ماشطتي ــ تمشط شعري فقال أستاذه في عتاب: أو تقدم تصفيف شعرك علي الصلاة؟!!.. ولأن الأب عبدالعزيز بن مروان حاكم مصر قد أوصي بن كيسان بالكتابة الدائمة له عن آخر أخبار ولده فأرسل إليه بهذه الواقعة ليأتي أمر عبدالعزيز للابن عمر بأن يحلق شعره جميعه!..
في شباب عمر كشف نزوعه الفني عن موهبة أصيلة في الغناء والتلحين, ولو احترف عمر صاحب الصوت العذب الشجي لبذ بصوته أساطين الغناء, ولو مضي في التلحين لنافس أقطابه, ويسبق الموهبتين لدي عمر بن عبدالعزيز ولعه بالشعر, يقبل عليه حافظا متذوقا ناقدا,
وهو الذي وضع لحنا آسرا للأبيات التي تغني بها ابن سريج عميد الغناء بالحجاز: عـــلق القــلب سـعـــادا عـادت القـلب, فعـادا كــلمـا عـــوتب فـيهـــــا أو نهي عنها تمــادي وهو مشغوف بسعدي قد عصي فيها وزادا
ورغم استمتاعه باللحن الأصيل وصوته الندي الشجي لم يرخ عمر العنان لموهبته واستمتاعه, فقد كان صوت التقي يعلو بداخله دوما ليظل ينصح ابن سريج لله در هذا الصوت لو كان بالقرآن.. ويتولي عمر إمارة المدينة في عهد الوليد بن عبدالملك لتغدو من عاداته تفقد أحوال الرعية تحت جنح الليل كما كان يصنع جده عمر بن الخطاب, وعرف من خلال جولاته ليالي أنس خلف الأبواب المغلقة داخل البيوت فلم يعرض لأصحابها وقال للشرطة من حوله: ما ضمت عليه البيوت فلا شأن لكم به.. وحرج عليهم أن ينتهكوا حرمة بيت أو يفضحوا أهله..
وكان أن اشتهرت في المدينة جارية لها أجمل الأصوات فجاء أحد أثرياء العراق لشرائها فوجدها عند القاضي الذي سأله عن سبب تحمل كل تلك المشقة إليها؟ فقال لأنها تغني فتجيد الغناء.. ولما لم يكن القاضي علي علم بموهبتها طلب منها الغناء فغنت فانتشي واستخفه الطرب حتي جثا علي ركبتيه زاحفا ككبش يريد الذبح في الحج فداء لها طالبا منها ألا تكف عن الغناء ولتفعل به ما تشاء.. وكان طبيعيا أن قام بصرف طالب الشراء الذي ذهب إلي عمر أمير المدينة ليروي له ما كان من أمر القاضي فقال عمر: قاتله الله لقد استعبده الطرب وقام بعزله من منصبه, فلما علم القاضي بعقابه قال: لو سمعها عمر لقال ما لم يقله وربما ما قلته أنا.. فلما بلغ ذلك عمر أرسل إلي القاضي والجارية, فسأله عما قاله فعاد يردده مؤكدا: كل نسائي طالقات إن لم يحدث هذا..
فأمر عمر الجارية بالغناء فأتي شدوها: كأن لم يكن بين الحجون إلي الصفا أنيس ولم يسمر بمكة ساحر
بلي, نحن كنا أهلها فأبادنا صروف الليالي والجدود العواثر
فطرب عمر واستعادها مرات وقد فاضت دموعه وعذر القاضي وأعاده إلي منصبه... وأيا تذهب مواهب عمر وتحلق فإن لفضائله ولدينه الكلمة الأخيرة, فمع ولعه بالشعر نراه يعزف عزوفا نبيلا عن كل ما فيه من إسفاف حتي إنه عندما يغدو واليا للمدينة يخرج منها عمر بن أبي ربيعة لما كان يزخر به شعره من مجون واستخفاف بالحرمات, وربما ترسب في أعماق عمر ما كان من تعرض ابن ربيعة لفاطمة بنت عبدالملك بن مروان قبل زواجه منها, حيث كان يدور من حولها في موسم الحج معجبا ولا يذكر اسمها خوفا من أبيها الخليفة فلما ارتحلت قال فيها: كدت يوم الرحيل أقضي حياتي ليتني مت قبل يوم الرحيل
لا أطيق الكلام من شدة الخوف ودمعي يسيل كل مسيل!
وتمر الأيام ولا يدخل علي عمر بن عبدالعزيز في خلافته إلا الفقهاء والعلماء والزهاد وأصحاب الحاجات, ويقف الشعراء ببابه ولا يأذن لهم, وقدم جرير فأطال الوقوف بالباب وعمر لا يأذن له حتي شفع له عالم زاهد فأذن له لينشد قصيدة طويلة جاء فيها: إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا من الخليفة ما نرجو من المطر
هذي الأرامل قد قضيت حاجتها فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر؟
فأشفق عمر علي جرير وسأله حاجته فقال: ما عودتني عليه الخلفاء من قبلك يا أمير المؤمنين قال: وما ذلك؟.. قال: أربعة آلاف دينار وتوابعها من الحملان والمطايا والكسوة قال: أربعة آلاف؟!! إنها لتكفي حاجة أربعمائة بيت من بيوت المسلمين وأعطاه من ماله الخاص أربعة دنانير!!
في الخامسة والعشرين أولاه الخليفة الوليد بن عبدالملك إمارة المدينة ومكة والطائف لتكون أولي حسناته فيها عقده مجلسا للشوري من عشرة من كبار الفقهاء أصحاب العلم والمعرفة لا أصحاب المال والنسب, وبعدها لم يقطع أبدا بأمر إلا بعد مشورة العشرة, ويقبل علي الإصلاح بإطلاق السجناء من أصحاب الآراء المعارضة بمنهاج: متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.. ويعين للقضاء العالم الورع أبوبكر بن حزم متوجا قراره بدستور يقضي بأنه لا ينبغي للمرء أن يكون قاضيا حتي تكون فيه خمس خصال: أن يكون عالما مستشيرا لأهل العلم, ملقيا للطمع, منصفا للخصم, مقتديا بالأئمة....
وأراد الخليفة أمير المؤمنين الوليد في دمشق إعادة تعمير المدينة فدعا عمر مجلس شوراه ليقرأ عليهم كتاب الوليد الذي أمره فيه أن يدخل في المسجد حجرات أزواج الرسول, وأن يشتري ما حول المسجد من مبان ليهدمها ويضمها إلي مساحة المسجد ليكون مربعا مائتي ذراع في مائتي ذراع.. ويرسل عمر للوليد ينقل إليه أن الناس يؤثرون إبقاء حجرات أمهات المؤمنين كما تركها الرسول فيرد الوليد أن يفعل ما أمره به, فباع أصحاب المباني المجاورة للمسجد مبانيهم وأخذوا أثمانها وكانوا يبكون كلما رأوا الهدم, وأرسل الوليد إلي ملك الروم يخبره بتعمير المسجد النبوي طالبا منه إمدادا بمعماريين مهرة,
فأرسل إليه بمائة منهم, ومعهم حمل أربعين بعيرا من الفسيفساء ليزين بها أرض المسجد, ومائة ألف مثقال من الذهب هدية من ملك الروم إلي ملك المسلمين لتوسيع المسجد النبوي.. ويذهب الوليد بعدها للحج فلما أتي المدينة لم يجد الاستقبال كما توقع فالناس تغشاهم كآبة لأنه أمر بتوسيع المسجد النبوي من ناحية القبلة وسائر نواحيه وأمر بضم حجرات أمهات المؤمنين إليه.. ولولا شوري عمر لأذعن الناس في رأيه للأمر صاغرين كما كانوا علي عهد أبيه عبدالملك الذي ما كان يسمح لأحد بأن يراجعه, ولقد أنذر الناس أن يقطع رقبة من يقول له اتق الله.. عمر في رأيه قد زلزل هيبة الملك حتي تجرأ مجلس شوراه علي نكران ما صنعه بالمسجد النبوي الشريف بمواجهته بقولهم: أنت تجعل بنيان المسجد عاليا شاهقا باذخا,
يتبع |
| |
|